Tuesday, November 27, 2007

جوبتر وسيميلي....لوحة زيتية لجوستاف مورو 1895....عالم اللاوعي بكل جلاله وروعتهكارل جوستاف يونج


يمثل عوليس بطلاً ميثولوجياً يعاني عذاباً شديداً ويجتاز المهالك، منذ مستهل رحلته حتى يحقق هدفه النهائي، ويؤوب منتصراً إلى المكان الذي انطلق منه. على عوليس، البطل المستعدّ أبداً، أن يكابد طوال رحلته قدراً كبيراً من المعاناة النفسانية والذهنية والجسمانية. لكنه يبلغ بنجاح هدفه النهائي: الخلود.




النشيد الخامس...الألياذة :: لقد عاد إلى الديار جميعُ الأبطال الآخرين الذين نجوا برؤوسهم من الموت [...]، ولم يبقَ الا عوليس راغبًا مازال في الإياب وفي زوجه، إذ إن حوريةً جليلةً احتجزتْه قسرًا، على انفراد، في غياهب كهوفها – كاليپسو، الكلِّية الألوهية، المتحرِّقة إلى اتخاذه بعلاً




علي تلك الجزيرة يبقي عوليس وحده يمزقه حنين العودة لوطنه ايثاكي ولأهله ولزوجته ألا ان غرام الألهة كاليبسو به يمنعه من ذلك.......أن أسم كاليبسو المشتق من الفعل كالوبتين بمعني حَجَبَ يشي بشفافيته بسر القدرات التي تمثلها الألهة الحورية كاليبسو فهي في غياهب كهوفها ليست المحتجبة فقط ولكنها أيضا الحاجبة....فلكي تحجب كاليبسو عوليس لم تضطر الي خطفه أو انتزاعه مثل ثاناتوس (الموت) أو ايروس (الحب)




لا......فكاليبسو شأنها شأن حوريات البحر علي جزيرتها العجائبية.....تستطيع كاليپسو، هي الأخرى، أن تغني بصوت جميل، فتفتن عوليس بأن تشنف أذنيه بلا هوادة بابتهالات "ذات شجو........في تلك الأثناء تقنع أثينا زفس كبير ألهة الأولمب بأن يرسل هرمس _ المرشد النفسي_ لانقاذ عوليس




_____________________




هرمس ( الألعبان) مرشد النفوس


--------------------------


هو سيد اللا متوقع وألهة التخوم




من خلال نظرة علم نفس الاعماق الحديث فأن التزامنات اللامتوقعة تتمثل أسطورياً برمز وشخصية الألعبان.......، وقد كان هرمس هو الأكثر تطابقاً مع التزامن من بين الآلهة، بوصفه سيد اللامتوقَّع،




تقع الحوادث التزامنية بالانتقال بين الواقع النفسي والواقع المادي، أو بين الوعي واللاوعي، أو بين الواقع والخيال، أو بين الشائع وغير المتوقَّع. أما عن مغزى الألعبان في حياتنا، فلا أفضل من ملاحظة بلتون حين يقول عن الألعبان إنه "يدخل العالم البشري لكي يجعل الأشياء تجري [...] لكي ينقذ الناس من الدمار"




هذه الحوادث التي تمثل مصطلح التزامن قد تمثل أشكال عدة ......فالألعبان يتخذ اشكال عديدة مثل الخيال ( كنت أفكر في فلان الذي لم أكلمه منذ فترة بعيدة فأذا به يتصل بي تليفونياً) أو الحلم (حلمت بخالي حلم أزعجني وقد توفي بعد ذلك الحلم بشهر) أو زلات لسان ........ كما وقد يتصف الألعبان بالمكر والخديعة ليقوم باللصوصية وألعاب الظل، محققاً ما يُعرَف بالتزامنات المازحة والفاسدة، أو ألاعيب السعدان المضحكة والمزعجة. تُخرِج هذه التزامنات ما هو خبيء إلى العلن، وتكشف الأسرار، وتزيل الأقنعة، لتجبر الإنسان على مواجهة ذاته أولاً، والعالم ثانياً.


وبذلك يكون هرمس هو مرشد الأرواح للعالم السفلي ذلك العالم الذي يبدو تناظره النفسي واضح مع صورة اللاوعي البشري.....كما أن هرمس هو "الإله الذي يُخرِج محتويات هذا العالم السفلي إلى العلن عن طريق ألاعيبه التزامنية"

أما الدور الأبرز للألعبان فهو يبدأ عندما يتجاوز المرء مرحلة تحقيق غايات الأنا وتبدأ مرحلة النضج بالتوجه نحو "الذات

das selbst



....والسير في درب التَفَرْدُن


individuation


والتفردن بمعني من المعاني حسب تعبير يونج هو "صيرورة المرء فرداً


وهو بحسب يونج أيضا.....(يدفع إلى الواجهة الأمامية للشخصية بنسق من القيم أرفع من نسق الأنا ومقدّر له أن يستمر بعدها على ما يبدو. فهو بهذه المثابة يشكل استعداداً طبيعياً لنهاية الحياة التي هي بمعنى من المعاني غاية الحياة)


ولهذا التفردن سيرورة ما مبرهن عليها بوجود أفراد لا ينتهي التأسّي النفسي لديهم تبعاً لهذا الشكل المعتاد المحدود أو ذاك؛ إذ تتواصل المواجهة مع الخافية....و(الخافية هنا بمعني اللاوعي أو الذات في مقابل الأنا الخارجية)، بمساعدة عالِم النفس أو بدونها، وتفسح المجال لمكابدة اختبارات روحية يتجسد فيها معنى الحياة. ومثل هذا التطوّر يقلع عادة حوالى "وصيد الأربعين"، أي في مستهل النصف الثاني من العمر، ولا يُستحسَن التشجيع عليه قبلئذٍ إلا في حالات استثنائية عموماً؛ ذلك لأن المهمة الملقاة على عاتق الإنسان إبان النصف الأول من حياته هي "التلقين الخاص بالواقع الخارجي"، بتمكين أناه وتعزيزها وذلك بتوكيد نفسه في العالم الخارجي؛ بينما مهمة النصف الثاني هي "التلقين الخاص بالعالم الداخلي


يدفع التفردن إلى الواجهة الأمامية للشخصية بنسق من القيم أرفع من نسق الأنا ومقدّر له أن يستمر بعدها على ما يبدو. فهو بهذه المثابة يشكل استعداداً طبيعياً لنهاية الحياة التي هي بمعنى من المعاني غاية الحياة. إن يونغ يعلق أهمية نفسانية كبرى على ظاهرة الموت ويعزو إليها قيمة إيجابية، على كونه، كرجل علم، يمتنع عن البتّ في أمر آخرة محتملة. التفردن هو الثواب على رحلة طويلة مفعمة بالتصاريف والمصاعب والمواجهات في سبيل التأليف بين مضامين الخافية (الخافية بمعني اللاوعي أو الذات كما سبق أن أشرنا في الفقرة السابقة)...............وهو رحلة إيناع للشخصية ومعرفة للنفس متعاظمة يصبح بها الإنسان "ما هو إيّاه" حقاً، على حد تعبير غوته


هو الكنز الأنفس يحرسه التنين؛ هو "الجزّة الذهبية"؛ هو الغرال الأقدس؛ هو قِبلة القلب والدخول في قدس الأقداس. وإلى جانب الوحوش والغيلان، يكتظ الدرب المفضي إليه بالشخوص المسعِفة التي تعاون المرء على اجتياز ممرات محفوفة بالمخاطر، من نحو القرينة "مرافقة الموتى" psychopompe (مثل أرياذني وخيطها الذي يستعين به البطل ثيسيوس على الخروج من المتاهة labyrinthos الكريتية الشهيرة)، الحكيم الشيخ، الحيوان المرشد: الضفدعة، السلحفاة، الأرنب، الوعل، إلخ.



وبذلك تكون سيرورة التفردن هي غاية الألعبان......حيث يوفِّر حضورُ الألعبان منفذاً للذات إلى "منبع القدرة الخلاقة" بحسب تعبير مارك هولاند


عندها يبدأ "قانون التزامن" بالعمل في خدمة التفردن، حيث تتجاوز الذات حالة الصراع والتناقض، منضبطة داخلياً في سعيها نحو اكتمال كينونتها الروحية، فتحيط بالسائر توافقاتٌ مساعدة، دعاها أحد الحكماء بـ"تعاون الطبيعة"، تعينُه على المضي قدماً. وهذه التوافقات لا يتم استجلابُها، إنما هي عبارة عن انسجام وتناغم بين الداخل والخارج. إنه السير مع مجرى المصير وفقاً لسيرورة القدر


إن هذه الطريقة في العيش تعني أن يتخذ المرء موقفاً منفتحاً تجاه العالم، بالدخول في اللعب، الذي هو "اكتشافٌ للذات هنا والآن" بحسب تعبير أدوارد ويتمونت


يشتمل اللعب على عفوية وشغف وفضول واكتشاف، أي حالة إبداعية تؤدي إلى خرق تصوراتنا من خلال حوادث تزامنية.......

لا–أخلاقية a-moral


ولا اخلاقية هنا بعمني متجاوزة للأخلاق....... حيث "يمثِّل، على المستوى النفساني، استخفافَه التام بحالة المرء العقلية وقت أداء الحادث التزامني...........و من الأهمية بمكان تذكُّر أن الديانة البراهمانية البَدْرية كانت متجاوزة للأخلاق المجتمعية؛ وكذلك سلوك الخضر في سورة الكهف في القرآن، مما دفع بالنبي موسى إلى الاعتراض على لاأخلاقية أفعال الأول؛ لكنها لاأخلاقية تدل على حكمة عميقة الغور، تتجاوز ما هو شخصي ومؤقت في آن واحد.


الخفة والفكاهة، أي اللعب، تفسحان المجال للمرء للانفتاح على ما هو غير مألوف، بسبب غياب صرامته وجموده، مما يشكِّل حافزاً لاتِّباع الحدوس التي تُثار بسبب قلة أهمية النتائج بالمقارنة مع متعة اللعب؛ الأمر الذي يفتح أمام الإنسان آفاق تجربة جديدة هي، رغم تناقضها ولاعقلانيَّتها، حالة إبداعية تقود إلى التحرر والسعادة.
هذه الحالة من الانسجام في الإيقاع، والتناغم مع حركة العالم، تمنح معنى عميقاً لكون هرمس موسيقياً، ومخترعاً للقيثارة، ولكون الإله الهندي شيفا "سيداً" للرقص، و"رقصُه هو الذي يتصادى في جميع أرجاء الكون بوصفه الطاقة الإيقاعية التي هي في أساس جميع الأشياء


يخرج مارك هولاند وآلان كومبس ألي ان الخبرات التزامنية لها سمات يمكن ايجازها فيما يلي


أ‌. تجاوز الزمكان: بعض خبرات التزامن يتكشف عن معرفة تتحدى مفاهيمنا التقليدية عن الزمان والمكان.
ب‌. تخطِّي السببية: من أعظم تحديات التزامن للفكر الخطِّي طبيعتُه اللاسببية.
ت‌. الوحدة بين النفس والمادة: الارتباطات ذات المغزى بين العالمين المادي والموضوعي في خبرة التزامن تنطوي على وحدة بين النفس والمادة.