Monday, March 14, 2011



قبل أن يضيع كل شيء



لحظة إعلان عمر سليمان تنحي مبارك عن السلطة و أستلام الجيش لها كانت لحظة وقعت علي البعض كالصاعقة ، منهم من يعرف من هو الجيش وما كان دوره الحقيقي في إفساد مصر عبر عقود طويلة ومنهم من خاض بداخله سنوات - مثلي مثلاً كضابط أحتياط - و رأي الجيش و اقعياً.. الفساد داخل الجيش أكثر تركيزاً .. مثلاً لو كان الفساد مدنياً (واحد) فالفساد داخل الجيش ( عشرة ) .. رشاوي و كوسة و محسوبيات عيني عينك ، و قمة ما لا يمكن ان تتخيله من القذارة التي لن يراها المرء في الحياة المدنية .. هذا هو الجيش المصري بأختصار مُخل .. الأمر الذي حدا البعض للتساؤل .. كيف يمكن لهذا الجيش أن يحمي الوطن ؟ . بل كيف أنتصرنا في حرب أكتوبر ؟ .. بركة دُعا الوالدين ؟ ... أم أن السادات قد ألقي بسلاح المهندسين علي الخط و بملايين الجنود علي جبهة سيناء و أُبيد منهم من أُبيد و لكن في النهاية عبرنا و تم نسب النصر لبطل الحرب و السلام و الذي أوصي من بعده بنبي أسمه مُبارك .. الذي خلعناه ؟ .. تذكرون هذا ؟ .. الجيش فاسد و لن يأتي منه سوي الفساد .. أتذكر يوم جمعة الغضب ؟ ، يوم سقوط الداخلية عندما كان الوصول الاول لعربات الجيش مجاورة لعربات الأمن المركزي و تمويلهم بالذخيرة بدلاً من تلك التي أنتهت في صدورنا .. أنتبه البعض لذلك و قام بحرق عدد من مدرعاتهم و كانت تلك اللحظة في نظر الجيش الأعلان النهائي للوقوف في صف الزحف المليوني لشباب لا يخاف الموت ..كلهم جبناء و لا يهابون سوي القوة .. لو كان هناك مخلص وحيد فهو فقط هذا الشعب الذي نزل و اطاح بكبيرهم الذي علمهم الغباء .. لا الجيش و لا غيره منوط به تلك الثقة


الأيام القليلة السابقة ترددت عبارة في اوساط قيادات الجيش اللذين وجدوا نفسهم في خضم مسئولية لم يعهدوها طوال سنوات من النوم في الوحدات و أكل السُحت .. المفروض عليهم أن يتبنوا شرعية ثورية لا يفهمونها و لا يستسيغونها وهم أباطرة التسلط و القمع في أماكن عملهم .. ( بوظتوا البلد يا ولاد الكلب ) .. ( بوظتوا البلد يا ولاد الكلب ! ) ... أنتقلت تلك العبارة للسان العساكر الأصغر مقاماً و هم يقبضون علي الأعداد القليلة التي تظاهرت في التحرير و في أماكن أخري .. اخبار مؤكدة عن أختفاء عدد كبير من المتظاهرين ووجدهم في السجن الحربي العمومي بالهايكستب - و ما أدراكم ما السجن العمومي ! - حيث معتقلات طرة و أبو زعبل هي نوع من النعيم مقارنة ببطش الجيش في تلك

المعتقلات


الجيش يجب أن يغادر السلطة في أقرب وقت ممكن ، عن نفسي بغض النظر عن ترقيع الدستور و عن تعاطفي مع من سيقولون لا للتعديل الدستوري .. أنا سأقول نعم و سأوصي كل من أعرفهم بالتصويت بنعم ... الجيش يجب أن يسلم السلطة للمدنيين في أقرب وقت . يبدو و كأنما كلما طال مقامه كسلطة حاكمة كلما أفسد الثورة .. قبل أن ينتهي كل ما فعلناه طوال أشهر .. طوال سنوات في الواقع .. كان الجميع في نشاط غير عادي و أستعجال جميل و مليون إيفينت في اليوم و عايزين حكومة تكنوقراط و بتاع .. ماذا حدث ؟ .. أطمئن الجميع لبابا جيش بدلاً من بابا مبارك و الأثنان هم عملة واحدة لنفس القذارة ... التصويت بــ لا معناه هو أستمرار الجيش في السلطة لشهور أطول و هو أمر كارثي قد يفقد الثورة أي معني .. المظاهرات ستستمر رغم أنف الجيش .. لكن تعامل سلطة مدنية معها سيختلف بتأكيد عن تعامل بهائم الجيش معها .. الجيش يجب أن يسلم السلطة في أقرب وقت .. قبل أن يضيع كل شيء ..هدفنا الأول كان الوصول لوطن مدني ديموقراطي .. لا يجب أن ننسي هذا ... بعد تسلم سلطة مدنية مقاليد الحكم نستطيع أن نتظاهر بشكل أكثر قوة لأسقاط الدستور المهلهل و صناعة دستور جديد يليق بدولة مدنية ديموقراطية .. نستطيع حتي محاسبة الفاسدين من الشرطة و الجيش بالنظر لهم كهيئات خادمة للوطن و ليس قامعة للحريات .. حتي ان إخراج الجيش مبكراً من لعبة السلطة سينشط مطالبه الفئوية الداخلية و يجعله

أقل فساداً


أسوأ السيناريوهات - من وجهة

نظري - و هو التصويت بــ لا علي الدستور و هو ما سيفتح أستمرار الجيش في ممارسة سلطته القمعية علي التظاهرات ، في هذا الحال يجب ألا ننقسم و يجب أن نوحد مطالبنا بسرعة تعديلات جديدة مؤقتة للدستور ( معظمها نقاشات حول الروح الطائفية للمادة الثانية من الدستور وهو أمر يحتاج ربما لسنوات حتي يستوعب غالبية الناس لماذا نرفضها .. ومتاهات الشعب و الشوري و الرئاسة التي ستستغرق وقت طويل بدورها ، كل هذا لن نستطيع التركيز فيه في وجود بيضة الجيش ) و بعدها يجب أن نرجع لنشاطنا مرة أخري لتنظيم مسيرات مليونية للمطالبة بتسليم الجيش السلطة لهيئة مدنية ..


الأيام السابقة عندما لاحظ الجيش قلة عدد المتظاهرين فأنه قام بأعتقالهم في صورة أبشع من ماضي الداخلية الذي نحتفظ به في ذاكرتنا .. لو كان عدد المحتجين حتي بالآلاف ما جرأوا علي فعل هذا .. لهذا فإن التنظيم الجيد و أعادة التظاهرات المليونية مرة اخري كورقة ضغط عليهم هو الوسيلة المضمونة الوحيدة لدرأ غباءهم .. و لنتذكر أنهم الأجبن .. و ما أشد ما أكره تلك المقولات التعريصية عن أن التظاهرات تؤدي لعدم الأستقرار والفوضي .. ثورتنا تلك تغير وضع تاريخي فاسد و راسخ منذ قرون .. دعونا نكملها .. نخلصها من كافة أشكال الكهانة والقمع .. قبل أن يضيع كل شيء و في أنتظار معركة قادمة مع تجار الدين ، الزمر و الشاطر و بديع و غيرهم .. من اطلق سراحهم الآن ؟ .. هل هذا الوقت المناسب ؟ .. و لماذا ؟ .. هو الجيش أيضا؟


تسليم الجيش السلطة لهيئة مدنية أيّن كان تنظيمها أو صورتها في أقرب وقت ممكن .. قبل أن يضيع كل شيء


Tuesday, March 01, 2011



تبخر وهم الدولة الأسلامية



ربما قد يتعجب كل من تابع تعليقات المفكرين والصحفيين الفرنسيين حول الثورة المصرية وقبلها التونسية من أفكار بعضهم المسبقة المترسبة في وعيهم ولاوعيهم، إذ يحلل أغلبهم ما يجري في الوطن العربي وكأنّ هذه المنطقة معزولة عما يجري في العالم وكأنّ العرب لم يسمعوا بالديمقراطية قطّ ولم تهبّ عليهم رياح العولمة بعد! ما زال البعض يظنّ ساذجا أنّ العربي يكتفي بقطعة خبز وجرعة ماء وكساء أخرق. وتراهم يردّدون مقولتهم المفضلة الساذجة "الديمقراطية لا يمكن أن تتمّ هكذا بسرعة""!

وفي ليلة سقوط مبارك بدا لي الفيلسوف الفرنسي آلان فلكنكروت على إحدى القنوات الفرنسية مكفهّر الوجه، تبدو عليه علامات حيرة مشوبة بخوف واضح. ولئن كان الرجل مسرورا بالثورة كما يدّعي، فإنّه لا يخفي تخوّفه من استيلاء إسلاميي النهضة على مقاليد الحكم في تونس وجماعة الإخوان في مصر.
وهو شعور يتقاسمه معه الكثير من المحللين الذين انطلت عليهم حيلة النظامين التونسي والمصري وبقية الأنظمة المُبشرة بجدة. ألم يقدم الرؤساء والملوك العرب أنفسهم كحلفاء للغرب، يحاربون ضدّ محاولة الأصوليين إقامة الدولة الإسلامية على طول الوطن العربي في الوقت الذي يقدّمون فيه التنازل تلو الآخر لمن يدّعون محاربتهم؟

ولكن حتى إن كان الأمر كذلك، فهل يبقى الخوف من الإسلاميين البرنامج السياسي الرسميّ الوحيد الصالح للوطن العربي؟ هل ينبغي قبول سلطة غاشمة كأمر واقع خوفا من السقوط في قبضة حكم الشريعة المفترض؟

لقد أعلن راشد الغنوشي صراحة موقفه من المسألة فور عودته إلى وطنه، "لا مكان للشريعة في تونس". ولا نريد هنا تحليل ما إذا كان أخونا مكرها أم بطلا في عدم المطالبة بإقامة دولة الشريعة، بل لا ينبغي التشكيك حتى في نياته على كل حال. أما في مصر فنظام مبارك هو الذي دفع المصريين إلى التأسلم بعدما شدّد عليهم الخناق سياسيا وثقافيا واقتصاديا، ولم يترك لهم سوى المساجد للدعاء وتلقي الخطب الغبية الحاملة للحلول السحرية بعدما أعدم المشاريع الدنيوية الحقيقية بل فعل كل ما في وسعه ليتصادم المسلمون بالمسيحيين. كما لم يتوان نظام بن علي في تسهيل التشيّع في تونس ولكن ليس ضمانا لحرية المعتقد وإنما لضرب حركة النهضة تحديدا بالتمذهب الشيعي وزعزعة الانسجام الديني في تونس عموما، والكل سمع عن تلك الصفقات السياسوية التي تمت بين النظام التونسي والملالي وحزب الله وقناة المنار.


لقد كتبت مرارا أنّ الدولة العربية هي التي تؤسلم المجتمع وليس المجتمع هو الذي يحاول أسلمة الدولة، كما تدّعي الأنظمة بغية تنصيب نفسها دركيا علمانيا مزيفا يواجه الأصوليين. والسلطات القائمة ذاتها هي التي سجنت ملايين البشر في استلاب ديني سمح لها بفبركة وهم الدولة الإسلامية في مدارسها وجامعاتها وصحفها ووزارات دينها. وها هو المجتمع العربي يطيح بها وبوهمها الذي كانت تتكئ عليه..فلم يُسقط التونسيون والمصريون السلطة القائمة فحسب بل أسقطوا حتى البديل الذي كان منذورا لخلافتها وأعني "الدولة الإسلامية". تلك الفزّاعة التي كان مرفوعة سدّا منيعا أمام قيام دولة مدنية عربية بكلّ ما تعني الكلمة. لقد دخل المجتمع العربي في شهر يناير 2011في عهد جديد لا يمكن أن أطلق عليه سوى "عصر ما بعد الدولة الإسلامية". عصر يحيا بالنظر إلى ما هو آت بتعبير هابرماس وينفتح للجديد القادم.


سقطت فكرة الدولة الدينية سقوطا حرا في غضون أسابيع تحت ضربات جماهير خرجت تقاتل من أجل المساواة وحرية التعبير والاحتكام إلى صناديق الاقتراع، والمواطنة، وحرية تكوين الأحزاب والجمعيات والتعددية الدينية والفلسفية والمساواة بين الرجل و المرأة .. (أي كل ما هو مناقض للدولة الإسلامية). بكلمة واحدة المطالبة بــ"دولة مدنية" وتقديم الشهداء من أجلها، دولة المواطنين لا دولة المؤمنين، دولة تسيّر أمور الحياة لا أمور الآخرة.. إنه تقدّم نوعي، لا يمكن أن يتجرّأ الإسلاميون على إعادة النظر فيه مهما كانت قوّتهم العددية مستقبلا إذ باتوا اليوم في عصر "ما بعد الدولة الإسلامية" تشكيلا سياسيا من بين تشكيلات أخرى متنوعة له ما لها من حقوق وعليه ما عليها من واجبات. ومع ذلك لا يحقّ لأحد أن يمنع الإسلاميين من تشكيل حكومة إذا ما نالوا الأغلبية ولكن لا أحد يسمح لهم بتغيير طبيعة الدولة. فمن الآن فصاعدا هناك ما قبل ثورة الياسمين وما بعدها. فهل يمكن من ذاق طعم "المابعد" وتنفّس هواء "ساحة التحرير" العليل أن يقبل العيش يوما في قفص دولة الملالي أو جُحر حماس أو دهليز آل سعود…


لقد فجرت "الدولة الإسلامية" نفسها وسط الجزائريين في بداية التسعينات، فقتلت منهم حوالي 200000، ومع الأسف ظلّت على قيد الحياة وإن في احتضار متقدّم. ولكن آن لنا الآن أن ننعى دولة الشريعة إذ حفر الشباب التونسي لها قبرا ودفنها المصريون إلى الأبد. فمن بدأ المأساة ينهيها، فكما علّمت مصر السادات ومبارك العرب التشبث بوهم الدولة الإسلامية، تُعبّد القوى الديمقراطية العلمانية لهم الطريق ليتحرّروا من هذا القيد الذي أدمى حياتهم بل توسع لهم آفاق الممكن الحداثي وتؤسس للعرب مع بقية قوى النور العربية الأخرى طريقة جديدة للإقامة في العالم.

رحم الله الدولة الإسلامية وألهم ذويها الدخول في العصر.